كان يراها وهي تذهب وتعود.... تبعها مرات عدة لكن خجله منعه من الحديث معها سأل عنها و عن أهلها .... أُعجب بأخلاقها
كان هو شابا عادياً ولم يكن ملفتا للإنتباه
تقدم إليها وخطبها من والديها..... طار قلبه من الفرح فهو على وشك أن يكون له بيت وأسرة خرج ذات مرة هو وإياها بعد أن دعاها إلى فنجان قهوة
جلسوا في مطعم في مكان منعزل جميل
كان مضطرباً جداً ولم يستطع الحديث
هي بدورها شعرت بذلك لكنها كانت رقيقة ولطيفة فلم تسأله عن سبب إضطرابه خشيت أن تحرجه فصارت تبتسم له كلما وقعت عيناهما على بعض
وفجأة أشار للجرسون قائلا :
(( رجاءاً ... اريد بعض الملح لقهوتي )) !!
نظرت إليه وعلى وجهها إبتسامة فيها إستغراب
إحمرّ وجهه خجلاً ومع هذا وضع الملح في قهوته وشربها
سألته لم أسمع بملح مع القهوة
رد عليها قائلاً:
عندما كنت فتى صغيراً، كنت أعيش بالقرب من البحر، كنت أحب البحر و أشعر بملوحته، تماماً مثل القهوة المالحة، الآن كل مرة أشرب القهوة المالحة أتذكر طفولتي، بلدتي، و أشتاق لأبواي اللذين علماني وربياني وتحملا لأجلي الكثير... رحمهما الله و أسكنهما فسيح جناته
إمتلأت عيناه الدموع.... تأثر كثيراً
كان ذلك شعوره الحقيقي من صميم قلبه
تأثرت بحديثه العذب ووفاءه لوالديه فترقرقت الدموع في عينيها.... فرحاً بزوج حنون ووفي أهداها الله إياه
حمدت الله أنه جعل نصيبها على شاب حنون رقيق القلب
لطالما طلبت ذلك من الله بصدق في صلاتها
لطالما سألته في سجودها أن لا يجعل حياتها هماً ونكداً مع رجل لا يخاف الله
حقق الله لها أمنيتها .... إكتشفت أنه الرجل الذي تنطبق عليه المواصفات التي تريدها
كان ذكياً، طيب القلب، حنوناً، حريصاً,,, كان رجلاً جيداً و كانت تشتاق إلى رؤيته كلما أخرج رأسه الأصلع من خلف باب بيتها وهو يودعها
" لكن قهوته المالحة شيء غريب فعلاً "
إلى هنا، القصه كأي قصة لخطيبين
...
" كانت كلما صنعت له قهوة وضعت فيها ملحاً لأنه يحبها هكذا..... مالحة "
بعد أربعين عاما من زواجهما وإنجابهما ستة أطفال ، توفاه الله
مات الرجل الحبيب إلى قلبها بعد أن تحمل كأبيه أعباء كثيرة
لكن بيتهما وعشهما الدافئ أهدى للمجتمع ستة أطفال اثنان: أطباء جراحة والثالث: مهندس رفيع المستوى
والرابع: محامي شريف يقف مع الحق إلى أن يرده لأصحابه، يقصده الفقراء قبل الأغنياء
يحبه القضاة لنزاهته.... معروف في الحي أنه النزيه ذي اليد التي لا تنضب
والخامسة طبيبة نسائية وتوليد
والسادسة لا تزال تكمل مشوارها الدراسي
مات هذا الأب العظيم، بعد أربعين عاماً من حياة الحب و الودّ مع رفيقة دربه
لكنه قبيل موته ترك لزوجته رسالة هذا نصها :
(( أم فلان، سامحيني، لقد كذبت عليك مرة واحدة فقط ......... القهوة المالحة !
أتذكرين أول لقاء في المقهى بيننا ؟! .....
كنت مضطرباً وقتها و أردت طلب سكر لقهوتي ولكن نتيجة لإضطرابي قلت ملح بدل سكر !!
وخجلت من العدول عن كلامي فاستمريت!!
أردت أخبارك بالحقيقه بعد هذه الحادثة
ولكني خفت أن اطلعك عليها كي لا تظني أنني ماهر في الكذب!! فقررت ألا أكذب عليك أبداً مرة أخرى ........ لكني الآن أعلم أن أيامي باتت معدودة فقررت أن أطلعك على الحقيقه
انا لا احب القهوة المالحة !!
طعمها غريب!
لكني شربت القهوة المالحة طوال حياتي معك ولم أشعر بالآسف على شربي لها لأن وجودي معك وقلبك الحنون طغى على أي شيء
لو أن لي حياة أخرى في هذه الدنيا أعيشها لعشتها معك حتى لو إضطررت لشرب القهوة المالحة في هذه الحياة الثانية لكن...... ما عند الله خير وأبقى وإني لأرجو أن يجمعني الله بك في جنات ونعيم ))
دموعها أغرقت الرسالة... وصارت تبكي كالأطفال
يوما ما سألها ابنها: أمي ما طعم القهوة المالحة؟!!!
فأجابت: إنها على قلبي أطيب من السكر، إنها ذكرى عمري الذي مضى، وفاضت عيناها بالدموع........
هذه ليست قصة من قصص الخيال، لقد حدثت فعلاً
أيها الآباء: لماذا لا نختار لبناتنا أزواجاً من هذا القبيل
لقد قيل: ما من رجل عظيم إلا وخلفه امرأة، أي تسانده وتغير من عاداته بالرفق واللين والقدوة الصالحة
نسمع عن حالات طلاق لأن المرأة لم تعد تحتمل تصرفات زوجها، إذن لماذا لا تغيره بقدوتها الصالحة
لماذا لا تدعو له في صلاتها فلا يرد القدر إلا الدعاء ولن يهلك مع الدعاء أحد
لماذا تختار الفتاة زوجها بنفسها فلربما تقع في مشكلات لا حل لها، بينما والديها على قيد الحياة...
لقد قيل: من ليس له كبير فقد التدبير...
في دراسة نفسية أجريت في معهد للطب النفسي الأسري بالقاهرة وبناءً على استبيانات للرأي ودراسة حالات
تبين أن المتزوجون بلا معرفة سابقة بينهما، كانت بيوتهم أشد ثبوتاً وحياتهم أكثر استقراراً وهناءً
إن الذي يبدأ حياته بنظرة ثم ابتسامة ثم إلى آخر هذا الهراء إنما يضع اللبنة الأولى في حياته على معصية من الله
والله سبحانه وتعالى يقول: 'ولا تواعدوهن سراً'
فالحب لا يأتي قبل الزواج بل بعد الزواج وهذا باتفاق أولي الرأي والعلم
بل إن الله تعالى يقول: 'وجعل بينكم مودة ورحمة'
قبل الزواج لم يكن يعرف أحدهما الآخر أما بعد الزواج فسيتولى الله عزوجل هذا الأمر ويجعل بين الزوجين المودة والرحمة
نسأل الله لقلوبنا الهداية ولنفوسنا الطمأنينة ولبيوت المسلمين الهناء والحب والودّ.... أ.هـ