علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين :::::علم اليقين بالنسبة لما أخبر الله تعالى به من الجنة والنار -مثلاً- فعلم اليقين هو: ما نقرأ في كتاب الله أن الجنة والنار هكذا أوصافها، فهذا العلم هو علم يقين. وأما حق اليقين: إذا رأيت ذلك الذي أخبرت به وعلمته، أي: رأيت الجنة ورأيت النار ورأيت ما وعد الله أمامك، فهذا حق اليقين، فتحول علم اليقين إلى حق اليقين.وأما عين اليقين فإذا دخلتها وتنعمت فيها، جعلنا الله من أهل الجنة فهذا عين اليقين. قال تعالى: وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الحاقة:51-52]. العلم واليقين يتفاوت على درجات، فمن مراتب اليقين: مرتبة علم اليقين، ومرتبة عين اليقين، والمرتبة الأعلى حق اليقين. لو أخبرتك أن خلف هذا الجدار إناء فيه عسل، وكنت موقناً بقولي؛ فهذا يسمى علم اليقين، فإذا فتحت الباب وأريتك إياه، ورأيته بعينك؛ فهذا يسمى عين اليقين، فإذا ذقت العسل؛ فهذا يسمى حق اليقين، كذلك مثلاً من علم بوجود الكعبة المشرفة ولم يرها فهذا علم اليقين، فإذا ذهب إلى هناك ورآها فهذا عين اليقين، وإذا دخل الكعبة المشرفة فهذا حق اليقين. إذاً: حق اليقين هو أعلى درجات ومراتب اليقين. قوله: (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) يعني: إنه هو الحق اليقين الذي لا ريب فيه، قال الله تبارك وتعالى: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ [التكاثر:5] بالعلم، ثم قال: لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوْنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [التكاثر:6-7]. ثم قال الله تبارك وتعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ يعني: دم على ذكر اسمه عز وجل، وادأب على الدعوة إليه وحده، وإلى ما أوحاه إليك، فالعاقبة لك ولمن اتبعك من المؤمنين و لا يجوز لإنسان أن يدعي اليقين -وخاصة عبارة اليقين الكامل- فهذا أمر صعب، فلا يجوز لأحد أن يدعي اليقين الكامل وأما إن مَنَّ الله تبارك وتعالى عليه بشيء من اليقين فليحمد الله عليه، ولا بأس أن يحدث به، وإن كان ترك ذلك أولى، لكن المقصود أن يقول: إن لدي اليقين الكامل، فهذا مثل أن يقول أنا مؤمن كامل الإيمان، وقد أنكرها السلف على من قالها إنكاراً شديداً.
ثم إن ترك الأخذ بالأسباب ليس من الشرع في شيء، فلا يقول: أنا على يقين أنه لن يأخذ إلا ما كتب له، فلا شك في ذلك، ولكن اجتهد أنت في أن تسعى له بالخير بالقبول في التوظيف للعمل، فهذا الابن الذي أنت تقول له هذه العبارات كيف أتى؟
لماذا لم تقل: أعيش من غير زوجة وأنا على يقين إن كان الله سيرزقني أولاداً أنه سيرزقني، لأنك تعلم أن الله تعالى جعل من سنته أنه لا يكون الابن إلا من زواج، فكذلك السعي والرزق جعله الله تبارك وتعالى مقترناً ببذل الأسباب، ثم بعد ذلك هو عز وجل يعطي ويهب لمن يشاء، ويمنع ويحرم من يشاء.
اليقين والمعصية لا يجتمعان، لكن المعصية تقع، ويمكن أن تقع من كل أحد، وتعليل هذا: أن اليقين في هذه الحالة يضعف، ويستولي الشيطان على العبد، كما يفعل شياطين الإنس، فقد يكون الرجل قوياً شديداً -مثلاً- لكن حين ينام، أو يغفل، يختطفه شيطان من شياطين الإنس ويذهب به بعيداً عن موطنه. وكذلك المؤمن قد يضعف ويفتر يقينه، فيختطفه الشيطان فيوقعه في معصية من المعاصي، كالفواحش -مثلاً- فينطبق عليه أنه إذا زنا العبد ارتفع إيمانه فكان عليه كالظلة، فإن تاب ورجع وإلا أقلع عنه، نسأل الله العفو والعافية فعندها يكون اليقين الذين ذكرنا بأوصافه وأحواله حينئذٍ غائباً أما اليقين بمعنى العلم فقط، الذي هو الحد الذي يخرج صاحبه من دائرة الشك والريب إلى دائرة الإيمان، فهذا يظل معه، لأن هذا من قول القلب وإقراره، والكلام إنما هو عن اليقين الذي هو عمل القلب
سئل شيخ الأسلام أبو العباس أحمد بن تيميه عن قوله تعالي ( حق اليقين)و(عين اليقين)و(علم اليقين) فما معني كل مقام منهم وأي مقام أعلي فأجاب:
علم اليقين ما علمه بالسماع وبالخبر وبالقياس والنظم
عين اليقين ماشاهده وعاينه بالبصر
حق اليقين ماباشره ووجده وذاقه وعرفه بالأعتبار
ومثل الأول من أخبر أن هناك عسلا" وصدق المخبر أورأي آثار العسل فاستدل علي وجوده
ومثل الثاني من رأي العسل وشاهده وعاينه وهذا أعلي كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ليس المخبر كالمعاين.
(رواه أحمد في مسنده)
والثالث مثل من ذاق العسل ووجد طعمه وحلاوته ومعلوم أن هذا أعلي مما قبله كما قال النبي صلي الله عليه وسلم:
ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الأيمان :
من كان الله ورسوله أحب اليه مما سواهما
ومن كان يحب المرء لا يحبه الا لله
ومن كان يكره أن يرجع الي الكفر بعد اذ انقذه الله من كما يكره أن يلقي في النار(متفق عليه)
ولذلك فان الحق سبحانه وتعالى حين يخاطب غير المؤمنين عن جهنم يقول:
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
التكاثر 5-7 .
أي أن كلا منا سيرى جهنم بعينيه في الآخرة..
ثم يقول سبحانه وتعالى:
وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ
فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ
إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ
الواقعة 92-95