الله هو الرزاق وقد تكفل بالرزق للجميع وهو أمر مقدر قبل ولادة الإنسان وتقسيم الأرزاق وتفاوت الناس إنما هي قسمة الرزاق الكريم والرزق لا يطلب إلا من الله وهناك تلازم بين محبة الله وسعة الرزق.
إن الله جل جلاله خلق الخلق وتكفل برزقهم وقوتهم فآواهم وأعطاهم وأمدهم بالمال والصحة والبنون قال تعالى: (ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) وقال تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلاْبْصَـٰرَ) ، أبداً لم يكن الفقر عيباً ، يحق لأحدٍ أن يعير أحداً به ، إذ الرزق بيد الله ، ولا حيلة ولا إرادة لغير الله ، ولا ناجي إلا من أنجاه الله فلنرض بالقليل من الرزق ، ولنحمد الله على نعمة الستر ولا نحزن لفوات نعيمٍ زائلة ، تجارب الحياة مريرة منها ما يفقد الثقة بان الرزق من عند الله وحده وإن الرزق في علم الغيب لا يعلمه إلا الله ولا يقدره إلا الله ، حيث يسلك الناس كل السبل لنيل أمانيهم وتحقيق غاياتهم إلا أن الجميع لا يحصلون إلا على القدر المقسوم لهم؛ مهما بلغت مساعيهم وأعمالهم ومهما بلغ ذكائهم وفطنتهم فلن يحصل الإنسان إلا ما كتب له وما هو مقسوم له والمثل القائل لو تركض ركض الوحوش غير رزقك ما تحوش) خير دليل على ذلك.
ولكن علينا أن نسعى في طلب الرزق ونأخذ بالأسباب التي توسع من رزقنا وبها نحصل على الرزق الحلال الطيب ونتجنب المحرمات والرزق الحرام وما يؤدي إلى عصيان الله وحرماننا من الرزق الحلال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « لاَ يَزِيدُ فِى الْعُمْرِ إِلاَّ الْبِرُّ وَلاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ لِلْخَطِيئَةِ يَعْمَلُهَا » لو اجتمعت الدنيا كلها وأرادوا أن يمنعوا رزقاً قدره الله لإنسان ما استطاعوا ولو أرادوا أن يسقوه شربة ماء، لم يكتبْها الله له فإنه سيموت قبل هذه الشربة.
ولندرك ولنيفن بأن تقسيم الأرزاق بين الناس لا علاقة له بالحسب ولا بالنسب ولا بالعقل وبالذكاء ولا بالوجاهة والمكانة ولا بالطاعة والعصيان وإنما يوزع جل جلاله رزقه على عباده لحكمة هو يعلمها فقد يعطي المجنون ويحرم العاقل وقد يعطي الوضيع ويمنع الحسيب قال الشاعر:
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجـا هلكـن إذاً من جهلهـن البهائـم
ولم يجتمـع شـرق وغـربٌ لقاصد ولا المجد في كف امرئ والدراهـمُ
فإذا يعتقد شخص أعطي مال إنه حصل على المال لأنه من قبيلة كذا أو لأنه ابن فلان من الناس أو لأنه أذكى من غيره ،لا وإنما هذه أرزاق يقسمها مالك السماوات والأرض، لحكمة يعلمها الله سبحانه.
كما تعلمنا من ديننا الإسلامي الحنيف بأن الله عز وجل فضل بعض الناس على بعض في الرزق فأعطى فلان من الناس وبسط له الكثير وأعطى ذاك أقل منه وحرم الثالث فلم يعطه شيئاً قال الله تعالىٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلْرّزْقِ) وهذا ليس بغريب وليس بسر، كما إننا نجد الذي بُسط له في الرزق ويملك أموال كثيرة لا يشعر بسعادة بل يشعر أنه محروم يملك المال والجاه لكن حياته جحيم يملك ويعيش حياة من لا يملكه، والآخر الذي أعطي القليل وفي كثير من الأحيان لا يكفيه ولا يكفي عياله ومع ذلك يرى أنه قد أوتي خيراً كثيراً وأنه رُزق رزقاً عظيماً ويعيش بسعادة وصحة يحسده عليها الأغنياء قال الله تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ